سامي عكيلة
رحم الله زماناً كان المعلم فيه رجل الدولة الأول وعنوانها ورمز عزتها, ورحم الله أحمد شوقي وبيته "قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولاً", ولا أهلا ولا سهلا بواقع جديد عنوانه كما قال إبراهيم طوقان "يا من تريد الانتحار وجدته.. إن المعلم لا يعيش طويلاً".
ليس غريبا أن يكون الانسلاب الحضاري الذي منيت به الأمة مرتبطاً بدنو مكانة المعلم وتراجع هيبته في نفوس السلطة والسلاطين والطلبة وأهليهم, بل هو واحد من أهم التفسيرات المنطقية لهذا السقوط المدوي, على اعتبار أن مكانة الأمة من مكانة التعليم ومكانة التعليم من مكانة المعلم, وعن مكانة المعلم عندنا حدث ولا حرج.
عامل النظافة الذي يعمل في المؤسسات الدولية يتقاضى راتبا أعلى من راتب المعلم, وبعض الباعة المتجولين يعودون لبيوتهم بأكثر مما يعود به المعلم, الأمر الذي حط من قيمة المعلم الذي يحيا في عصر مادي لا احترام فيه سوى للأغنياء على قاعدة "معاك قرش تسوى قرش", فهل يجوز أن يكون مربي الأجيال مدفوعا بالأبواب؟!
على والينا المعظم أن يغني المعلم عن التسول عبر الأعمال الإضافية, لكي لا يلتفت عن رسالته العظمى في صناعة الجيل إلى توافه الأمور كفواتير الكهرباء والماء..الخ, فالمعلم رجل مقاومة من الطراز الأول, مقاومة في وجه الهزيمة, والانحلال, ومشاريع الذوبان, وتراجع مكانة المعلم في الأمة العربية والإسلامية يعني مقاومة مهترئة لا تقوى على أتفه الفيروسات.
ومن أسباب الانقلاب الحاصل في صورة المعلم مساهمات السينما والإعلام _ لا بارك الله فيها_ التي هزت صورة المعلم في ذهن الجيل, ولعل أبرز هذه الإسهامات مسرحية "مدرسة المشاغبين" التي ألقت الشعوب العربية على ظهورها من كثرة الضحك على المعلم "الأهبل", وللأسف بقيت تلك الشعوب ملقاة على ظهرها حتى الآن لا تجد من ينهض بها وينتشلها من الأرض.
كما ورد على بيت المعلمين بعض العناصر التربوية الدخيلة المهتزة نفسيا وعقليا والتي عملت على التقليل من شأن المعلم أمام الطلبة في المدارس والجامعات, والأشد وأنكى أن هذه الشخصيات الضعيفة ارتبطت _ بقصد_ بالمساقات التربوية والاجتماعية والمدنية التي تمس عصب النهضة والتغيير.
لا نقد بالهيبة التي تنبني على السلطة والقمع وإنما نريد الهيبة التي يفرضها التأثير والنفوذ الأدبي للمعلم على الجيل, فهي القادرة على صناعة التغيير في نفوس الآخرين, وهي الهيبة التي عرفها "جيمس بارنر وهارولد كانون" في كتابهما "هيبة المعلم أمام طلابه وأهميتها": أن يكون للمعلم تأثير ونفوذ مشروع على الطلاب وهي تختلف عن السلطة لاحتوائها على عنصر أخلاقي فهي لا تتضمن القسر وهي تكتسب وتتراكم. والهيبة تتطلب مراعاة قدر من الرسمية في العلاقة بين المعلم والطالب".
لأجل ذلك كله يقول أحد الفقهاء العسكريين في (إسرائيل) :"إن معلمة في رياض الأطفال عندنا أفضل من قائد كتيبة في الجيش", ولأجل ذلك تنتصر الأمم, وهو ذات السبب في هزيمتها.
والسؤال مفتوح هنا: هل بقي للمعلم بقية من كرامة لنتجرأ ونأمر الجيل ونقول له:" قم للمعلم!!